لا تتوجه فيه النفس الى غيره ، ولا يسأل اللسان سواه. ولا يستعان ـ فيما وراء الأسباب العامة ـ بمن عداه.
ويتعرض ابن جرير الطبري للآية فيقول فيما يقول : «وأخلصوا طاعتهم وأعمالهم التي يعملونها لله ، فأرادوه بها ، ولم يعملوها رئاء الناس ، ولا على شك منهم في دينهم ، وامتراء منهم في أن الله محص عليهم ما عملوا ، فيجازي المحسن باحسانه ، والمسيء باساءته ، ولكنهم عملوها على يقين منهم في ثواب المحسن على احسانه ، وجزاء المسيء على اساءته ، أو يتفضل عليهم ربهم فيعفو ، متقربين بها الى الله ، مريدين بها وجهه ، فذلك معنى اخلاصهم لله دينهم.
ثم قال جل ثناؤه : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ). يقول : فهؤلاء الذين وصف صفتهم من المنافقين ، بعد توبتهم واصلاحهم ، واعتصامهم بالله ، واخلاصهم له ، مع المؤمنين في الجنة ، لا مع المنافقين الذين ماتوا على نفاقهم ، الذين أوعدهم الله الدرك الأسفل من النار. ثم قال : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) يقول : وسوف يعطي الله هؤلاء الذين هذه صفتهم على توبتهم واصلاحهم ، واعتصامهم بالله ، واخلاصهم دينهم له ، على ايمانهم ثوابا عظيما ، وذلك درجات في الجنة».
*
ويقول القرآن المجيد في سورة الأعراف : (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) (١) ويعلق تفسير المنار على هذا النص الكريم بقوله : «والمعنى : أعطوا توجهكم الى الله تعالى عند كل مسجد تعبدونه فيه
__________________
(١) سورة الاعراف ، الآية ٢٩.