أن يكون جانب الداعي الى الطاعة راجحا على الجانب الآخر ، أو معادلا له ، أو مرجوحا. وأجمعوا على أن المعادل والمرجوح ساقط. وأما اذا كان الداعي الى طاعة الله راجحا على الجانب الآخر ، فقد اختلفوا في أنه : هل يفيد أم لا. وقد ذكرنا هذه المسألة مرارا ، ولفظ القرآن يدل على وجوب الاتيان به على سبيل الخلوص ، لان قوله (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً) صريح في أنه يجب الاتيان بالعبادة على سبيل الخلوص ، وتأكد هذا بقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
وأما بيان الوجوه المنافية للاخلاص فهي الوجوه الداعية للشريك ، وهي أقسام : أحدها أن يكون للرياء والسمعة فيه مدخل. وثانيها أن يكون مقصوده من الاتيان بالطاعة الفوز بالجنة والخلاص من النار. وثالثها أن يأتي بها ويعتقد أن لها تأثيرا في ايجاب الثواب أو دفع العقاب. ورابعها وهو أن يخلص تلك الطاعات عن الكبائر حتى تصير مقبولة ، وهذا انما يعتبر على قول المعتزلة».
ويعود الذكر الحكيم ليؤكد الحث على فضيلة الاخلاص لله والدعوة اليها ، فيقول : (قل اني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ، وأمرت لان أكون أول المسلين ، قل اني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم ، قل الله أعبد مخلصا له ديني ، فاعبدوا ما شئتم من دونه) (١). ونلاحظ هنا أن السورة قد بدأت بالأمر باخلاص الدين ، ثم جاءت هذه الآيات تأمر الرسول صلىاللهعليهوسلم ـ ومن ورائه أتباعه ـ أن يعبد الله مخلصا له الدين ، وأن يقول : الله أعبد مخلصا له ديني ، وقد يظن ظان أن هذا تكرار لا مسوغ له ، ولكن الرازي ينفي هذا الظن بأنه لا تكرار ، لان الأول اخبار بأنه مأمور من جهة الله تعالى بالاتيان بالعبادة ، والثاني اخبار بأنه أمر بأن لا يعبد أحدا غير الله ، وذلك لان قوله :
__________________
(١) سورة الزمر ، الآيات ١١ و ١٥.