مشيئته هو ، كما قال تعالى : (وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين) (١).
فهنا ينفعه شهود الجبر ، وأنه آلة محضة ، وأن فعله كحركات الأشجار وهبوب الرياح وأن المحرك له غيره ، والفاعل فيه سواه. وأنه ميت ، والميت لا يفعل شيئا ، وأنه لو خلي ونفسه لم يكن من فعله الصالح شيء ألبتة ، فان النفس جاهلة ظالمة ، طبعها الكسل وايثار الشهوات والبطالة ، وهي منبع كل شر ، ومأوى كل سوء ، وما كان هكذا لم يصدر منه خير ، ولا هو من شأنه.
فالخير الذي يصدر منها انما هو من الله وبه ، لا من العبد ولا به ، كما قال تعالى : (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ، ولكن الله يزكي من يشاء) (٢). وقال أهل الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا). وقال تبارك وتعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا) (٣). وقال تعالى : (ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم) (٤) الآية.
فكل خير في العبد فهو مجرد فضل الله ومنته ، واحسانه ونعمته ، وهو المحمود عليه ، فرؤية العبد لأعماله في الحقيقة كرؤيته لصفاته الخلقية : من سمعه وبصره ، وادراكه ، وقوته ، بل من صحته وسلامة أعضائه ، ونحو ذلك ، فالكل مجرد عطاء الله ونعمته وفضله.
فالذي يخلص العبد من هذه الآفة معرفة ربه ، ومعرفة نفسه. والذي يخلصه من طلب العوض على العمل علمه بأنه عبد محض ، والعبد
__________________
(١) سورة التكوير ، الآية ٢٩.
(٢) سورة النور ، الآية ٢١.
(٣) سورة الاسراء ، الآية ٧٤.
(٤) سورة الحجرات ، الآية ٧.