وقد يسأل سائل فيقول : وما حكم العمل المشوب بحظ من حظوظ الدنيا؟ وما مكانه من الرضى والقبول عند الله عزوجل؟
ويجيب الغزالي عن ذلك بأن العمل اذا لم يكن خالصا لوجه الله تعالى ، بل اختلط به شوب من الرياء أو حظوظ النفس ، فقد اختلفوا : أيقتضي ثوابا ، أم يقتضي عقابا ، أم لا يقتضي شيئا أصلا ، فلا يكون له ولا عليه.
وأما العمل الذي يكون كله رياء فانه يكون محسوبا على صاحبه ، ويكون سبب المقت والعقاب له ، وأما العمل الخالص لوجه الله تعالى فهو سبب الثواب ، وانما النظر في العمل المشوب ، فظاهر الأخبار الواردة تدل على أنه لا ثواب له ، ولكن الأخبار هنا لا تخلو من تعارض ، والظاهر لنا ـ والعلم عند الله ـ أن ننظر الى قدر قوة الباعث على العمل ، فان كان الباعث الديني مساويا للباعث النفسي تقاوما وتساقطا ، وصار العمل لا له ولا عليه ، وان كان باعث الرياء أغلب وأقوى ، فهو ليس بنافع ، وهو مع ذلك يضر صاحبه ويفضي به الى العقاب ، وان كان عقابه أقل من عقاب العمل الذي لا شيء فيه سوى الرياء.
وان كان قصد التقرب الى الله تعالى أغلب بالاضافة الى الباعث الآخر ، فله ثواب بقدر ما فضل من قوة الباعث الديني ، لأن الله تعالى يقول : (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (١). ويقول : (ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها) (٢).
فلا ينبغي ان يضيع قصد الخير في العمل ، بل ان كان غالبا على قصد الرياء حبط منه القدر الذي يساويه وبقيت الزيادة ، وان كان قصد
__________________
(١) سورة الزلزلة ، الآيتان ٧ و ٨.
(٢) سورة النساء ، الآية ٤٠.