يصفو على الدوام من جميع العلل ، والاخلاص يكون لقلب العبد المخلص بالتجرد من الشرك والغل والتهم ، وأما الصفاء الكامل الذي لا تصحبه علة ، أو الطهارة من جميع أوصاف البشرية على الدوام ، فليس ذلك من شأن الانسان ، وجل المنزه عن النقص والعيب.
وهناك فرقة من الفرق الصوفية قد ضلت الطريق كما ضلت التحقيق حين زعمت أن الاخلاص لا يصح لعبد الا اذا خرج عن رؤية الخلق ، ولم يوافقهم في جميع ما يريد أن يعمله ، سواء أكان ذلك حقا أم باطلا. وقد رد أبو النصر الطوسي في كتابه «اللمع» على ضلال هذه الفرقة فقال :
«وانما ضلت هذه الفرقة لان جماعة من أهل الفهم والمعرفة تكلموا في حقيقة الاخلاص : أن لا يصفو لهم ذلك حتى لا يبقى على العبد بقية من رؤية الخلق والكون وكل شيء غير الله تعالى.
فظنت هذه الفرقة وطمعت أن ذلك يصح لهم بالدعوى والتقليد والتكلف ، قبل سلوك مناهجها ، والتأدب بآدابها ، والابتداء ببدايتها ، حتى يؤديه ذلك الى نهاياتها ، حالا بعد حال ، ومقاما بعد مقام ، فأداهم الدعوى والطمع الكاذب الى قلة المبالاة وترك الأدب ، ومجاوزة الحدود فأسرهم الشيطان ، وغلبتهم النفس والهوى ، بما خيل اليهم أنهم برسم المخلصين في الاخلاص ، وهم في عين الضلالة والانتقاص ، وأنّى لهم من ذلك الخلاص؟.
وقد خفي عليهم ـ لشقاوتهم ـ أن العبد المطلوب بدرجة الاخلاص هو العبد المهذب المؤدب ، الذي هجر السيئات ، وجرد الطاعات ، وعمل في الارادات ، ونازل الأحوال والمقامات ، حتى أداه ذلك الى صفاء الاخلاص.
فأما من هو أسير هواه ، ورهين نفسه وشيطانه ، وهو «في ظلمات بعضها فوق بعض اذا أخرج يده لم يكد يراها» فهو محجوب عن حال أهل البدايات ، فكيف يصل الى ما بعد ذلك؟.