فمثل هؤلاء كمثل من سمع بالجوهرة النفيسة أنها تكون صافية مدورة ، فوقع في يده خرزة من الزجاج فأعجبته تلك ، لأنها مدورة صافية ، فلما احتاج اليها حملها الى من يعرف الجواهر ، فقال له : هي زجاجة لا قيمة لها ، فلم يدعه الجهل والطمع الكاذب أن يرمي بها من قلة معرفته بالزجاج والجوهر.
*
وفضيلة الاخلاص هي التي تحرك في نفس الانسان كريم البواعث ونبيل الحوافز ، فلا يتحرك الى العمل لهوى خسيس ، أو غل دنيء ، أو رياء موبق ، بل يتحرك طلبا لرضا الله سبحانه ، وحبا في عمل الخير ، ورغبة في التعاون مع كرام الناس ، وتطلعا الى سيادة الحق والعدل والبر ، وهذا لا يمنع الانسان أن يتمتع بالطيبات وزينة الله في هذه الحياة.
والاخلاص بعد هذا تتعدد جهاته ونواحيه ومقاصده في الحياة ، فاذا كنا نرى في القمة اخلاص العبد لربه ، وهو افراده بالعبادة والتقديس ، ففي ظلال هذه القمة تبدو ألوان أخرى من الاخلاص ، فهناك اخلاص الانسان لوطنه ، بان يحبه ويدافع عنه ، ويضحي في سبيله بالنفس والنفيس ، وهناك اخلاص المرء لأهله وأصدقائه ومواطنيه ، وهناك اخلاص المرء لبني الانسان. وهم اخوته في الانسانية ، بأن يريد لهم الخير ، ويعمل لذلك ما استطاع اليه سبيلا.
وما شاع الاخلاص بين قوم في شؤون الدين والدنيا الا عمهم الخير والحق ، وزهق بينهم الشر والباطل ، وكانوا في الأولى والآخرة من السعداء.