حتى نال الشهادة في سبيل الله بلا تردد ولا تقهقر ، بعد أن أصابه بضعة وثمانون جرحا ، ما بين ضربة بالسيف ، أو طعنة بالرمح ، أو رمية بالسهم ، ومثّل بجثته المشركون الطغاة ، حتى خفيت معرفته على قومه ، فلم تعرفه الا أخته بعلامة كانت فيه ، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
وكذلك ضرب «الانصار» أروع الامثال في الوفاء :
عن أنس بن مالك قال : لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم ، بذراريهم ونعمهم ، ومع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ عشرة آلاف ، ومعه الطلقاء ، فأدبروا عنه حتى بقي وحده.
فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئا. التفت عن يمينه فقال : يا معشر الأنصار. فقالوا : لبيك يا رسول الله ، نحن معك ، أبشر.
ثم التفت عن يساره فقال : يا معشر الأنصار. فقالوا : لبيك يا رسول الله ، أبشر ، نحن معك. وهو على بغلة بيضاء ، فنزل وقال : أنا عبد الله ورسوله.
فانهزم المشركون ، وأصاب النبيّ غنائم كثيرة ، فقسمها بين المهاجرين والطلقاء ، ولم يعط الأنصار منها شيئا فقالوا (أي بعضهم) : اذا كانت الشدة ندعى ، ويعطى الغنائم غيرنا ، فبلغه ذلك فجمعهم وقال : يا معشر الأنصار ، ما شيء بلغني عنكم؟. فسكتوا ، فقال : يا معشر الأنصار ، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا ، وتذهبون بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، تحوزونه الى بيوتكم؟.
قالوا : بلى يا رسول الله ، رضينا!.
فقال رسول الله : لو سلك الناس واديا ، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار!.
وهكذا يكون الوفاء عند أهل الصدق والفداء.
* * *