المدينة مهاجرا ، وعلم أبوه بذلك ، فأخذ يطالب الرسول برد ابنه ، فلم يملك الرسول الا الوفاء بالشرط ، ولما تألم أبو جندل من ذلك قال له الرسول : «يا أبا جندل ، اصبر واحتسب ، فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، انا قد عقدنا بيننا وبين القوم عهدا ، وأعطيناهم على ذلك ، وانا لا نغدر بهم (١).
وتحدثنا السيرة العطرة بأن الوفاء كان زينة الشخصيات المؤمنة التي نألقت على عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وفي صدر الاسلام ، حتى قال التنزيل المجيد : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
ولقد روي في سبب نزول هذه الآية الكريمة أن الصحابي الجليل أنس بن النضر لم يستطع أن يشهد غزوة بدر ، فحزن لذلك ، وقال للنبي : يا رسول الله ، غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين ، لئن أشهدني الله مع النبي قتال المشركين ليرينّ ما أصنع.
وجاء يوم الوفاء ... جاء يوم أحد ، وانكسر المسلمون في القتال ، وثبت أنس ، وهتف يقول : اللهم اني أعتذر اليك مما صنع هؤلاء (يعني أصحابه) وأبرأ اليك مما صنع هؤلاء (يعني المشركين). ثم انطلق يدافع ويجاهد. وقابله سعد بن معاذ ، فقال له أنس محرضا على الجهاد حتى النصر أو الاستشهاد : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب النضر ، اني لأجد ريحها من دون أحد!.
ولم يستطع سعد ـ كما اعترف ـ أن يجاري أنسا في صنع ما صنع ، حيث انطلق أنس يكافح ويجاهد ، ويؤدي واجب الوفاء والفداء
__________________
(١) انظر كتابي «الفداء في الاسلام» ص ٧٦ ـ ٨٤. الطبعة الاولى.