جل جلاله يحب المتوكلين على حوله وقوته ، مع العمل في الأسباب بسننه ، ومن أحبه الله عصمه من الاغترار باستعداده ، والركون الى عدته وعتاده ، والبطر الذي يصرفه عن النظر فيما يعرض له بعد ذلك حتى لا يقدره قدره ، ولا يحكم فيه أمره ، فبدلا من أن يكون نظره في الأمور بعين العجب والغرور ، واستماعه لأنبائها بأذن الغفلة والازدراء ، ومباشرته لها بيد التهاون ، يلقي السمع وهو شهيد ، وينظر بعين العبرة فبصره حينئذ حديد ، ويبطش بيد الحق فبطشه قوي شديد ، ذلك بأنه يسمع ويبصر ويعمل للحق لا للباطل الذي يزينه الهوى ويدلي به الغرور ، فيكون مصداقا للحديث القدسي : «فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها».
والرسول صلىاللهعليهوسلم يرشدنا الى ما في التوكل من ايجابية ونزعة عملية حين يقول : «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا». فقد أعطانا في هذا الحديث صورة حية لحركة الطيور التي تترك أعشاشها عند الصباح ، وتخرج باحثة عن الطعام والقوت ، وهي خالية البطون ، وما تزال هكذا في سعيها وحركتها ، حتى تعود آخر النهار وهي ممتلئة البطون.
وهذا أحد الصحابة يسأل رسول الله عليه الصلاة والسّلام قائلا : يا رسول الله ، ناقتي أتركها وأتوكل؟ فأجابه : «اعقلها وتوكل» وفي هذا توجيه للأبصار والبصائر الى الاحتياط والحذر وبذل الطاقة والمجهود.
ولو راجعنا سير الأنبياء والمرسلين ـ عن طريق القرآن الكريم ـ لوجدنا فضيلة التوكل كالقسط المشترك بين هؤلاء الأكرمين ، فابراهيم عليهالسلام هو القائل كما حكت سورة الممتحنة : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). وروت السيرة أن ابراهيم قال عند القاء