(العمل) فقد طعن في السّنة ، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الايمان ، فالتوكل حال النبي صلىاللهعليهوسلم ، والكسب سنته ، فمن عمل على حاله فلا يتركن سنته».
والعبد يتوكل على الله أن يقيمه في سبب يوصله الى مطلوبه ، فاذا قام به توكل على الله في حال مباشرته ، فاذا أتمه توكل على الله في حصول ثمراته ، فكأن التوكل سيصاحب المؤمن في مراحل سعيه وعمله. ولقد كان رسول الله عليه الصلاة والسّلام أصدق المتوكلين ، ومع ذلك كان يحمل معه الزاد في السفر ، ولبس درعين حينما قاتل في غزوة أحد ، وكان يدخر لأهله قوت سنة : «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»!.
وما أجمل العبارة التي ذكرها صاحب المنار ، وفيها يقول : «ان هناك أمورا تخفى علينا أسبابها ، ويعمى علينا طريق طلابها ، فيجب علينا بارشاد الدين والفطرة أن نلجأ فيها الى ذي القوة الغيبية ، ونطلبها من مسبب الأسباب ، لعله بعنايته ورحمته ـ يهدينا الى طريقها ، أو يبدلنا خيرا منها. ويجب مع هذا بذل الجهد والطاقة من العمل بما نستطيع من الأسباب ، حتى لا يبقى في الامكان شيء ، مع اعتقادنا بأن الأسباب كلها من فضل الله تعالى علينا ورحمته بنا ، اذ هو الذي جعلها طرقا للمقاصد ، وهدانا اليها بما وهبنا من العقل والمشاعر.
لا يسمح الدين للناس بأن يتركوا الحرث والزرع ، ويدعوا الله تعالى أن يخرج لهم الحب من الأرض بغير عمل منهم ، أخذا بظاهر قوله : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) ، وانما يهديهم الى القيام بجميع الأعمال الممكنة لانجاح الزراعة ، من الحرث والتسميد ، والبذر والسقي ، وغير ذلك ، وأن يتكلوا على الله تعالى بعد ذلك فيما ليس بأيديهم ، ولم يهدهم لسببه بكسبهم ، كانزال الأمطار ، وافاضة الأنهار ، ودفع الحوائج.