عند لقائه في الدار الآخرة ، فقال في سورة الكهف : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً). وقال في سورة العنكبوت : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وقال فيها أيضا : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). وضمن للمتقين تحقيق حسن الرجاء ، فقال في سورة فاطر : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ).
بل جعل القرآن الحكيم صدق الرجاء عاملا من عوامل النصر والغلبة على الأعداء ، فقال سبحانه في سورة النساء : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ ، وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً). وكأنه بهذا يقول لهم ـ كما يذكر تفسير المنار ـ انكم ترجون من الله ما لا يرجون ، لأنكم تعلمون من الله تعالى ما لا يعلمون ، وتخصونه سبحانه بالعبادة والاستعانة ، وهم مشركون ، وقد وعدكم الله احدى الحسنيين ـ النصر أو الجنة بالشهادة ـ اذا كنتم للحق تنصرون ، وعن الحقيقة تدافعون. فهذا التوحيد في الايمان ، وهذا الوعد من الرحمن ، هما مدعاة الأمل والرجاء ، ومنفاة اليأس والقنوط ، والرجاء يبعث القوة ، ويضاعف العزيمة ، فيثابر صاحبه على العمل بالصبر والثبات. واليأس يميت العزيمة ويضعف الهمة ، فيغلب على صاحبه الفتور والجزع.
والقرآن الكريم يفتح أبواب الرجاء والأمل أمام عباد الله المؤمنين ، ليدخلوها فيتمتعوا بخير هذه الفضيلة الأخلاقية الجليلة : فضيلة الرجاء والأمل وحسن الظن ، فيقول عن المؤمنين في سورة آل عمران : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ، الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).