واذا كان الرجاء بلا عمل صار غرورا ، ويصور الغزالي الفرق بين الرجاء والغرور ـ أو التمني ـ بالصورة الحسية الموضحة المجسمة التي يقول فيها : «فكل من طلب أرضا طيبة ، وألقى فيها بذرا جيدا غير عفن ولا مسوس. ثم أمده بما يحتاج اليه ، وهو سوق الماء في أوقاته ، ثم نقى الشوك عن الأرض والحشيش وكل ما يمنع نبات البذر أو يفسده ، ثم جلس منتظرا من فضل الله تعالى دفع الصواعق والآفات المفسدة ، الى أن يتم الزرع ويبلغ غايته ، سمي انتظاره رجاء.
وان بث البذر في أرض صلبة سبخة مرتفعة ، لا ينصب اليها الماء ، ولم يشتغل بتعهد البذر أصلا ، ثم انتظر الحصاد منه ، سمي انتظاره حمقا وغرورا لا رجاء. وان بث البذر في أرض طيبة ، لكن لا ماء لها ، وأخذ ينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار ولا تمتنع أيضا ، سمي انتظاره تمنيا لا رجاء ...».
واذا تعرفنا الى درجات الرجاء وجدنا أولاها وأعلاها هي رجاء المؤمن الذي يعمل لطاعة الله ، على نور من الله ، وهو يرجو ثوابه ، وأقل منها درجة هي رجاء من أذنب ذنوبا ثم تاب منها ، فهو يرجو عفو الله وغفرانه واحسانه ، وأحط الدرجات رجاء من يتمادى في الخطأ والاهمال ، ثم يرجو رحمة ربه بلا عمل ، وهذا رجاء كاذب ، لان الرجاء لا يصدق الا مع العمل.
*
ولا يليق بالعاقل أن يتوسع في الرجاء فيخرج به عن حد الفضيلة الى أن يكون لهوا صارفا عن الايمان بالله والاستجابة له ، فان الحق جل جلاله يقول في شأن الكافرين : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أي اترك هؤلاء الكافرين ، لا يهمهم الا أن يأكلوا