والمحبة من جهة أخرى ، فيعطى الرجاء ولازمه الخوف ارتباطا بمحبة الله ، فتجعلهما نعمة وضياء ، فيأنس العبد بربه ، ويعكف على حبه ، حتى يحق لسري السقطي أن يقرر أن هناك أشياء لا يسكن معها في القلب غيرها ، هي الخوف من الله وحده ، والرجاء لله وحده ، والحب لله وحده ، والأنس بالله وحده : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).
*
ولقد يشتبه الرجاء بالتمني ، مع أن بينهما فرقا ينبغي أن يلحظ ، فالرجاء انما يكون حسن ظن مصحوب بالعمل والطاعة ، وحسن التوكل ، والراجي كمن يشق أرضه ، ويفلحها ، ويصلحها ، ويستثمرها ، ويرجو الحصاد من الرب ، ولكن «التمني» يكون مع الكسل وعدم العمل وانقطاع الطاعة ، وهو لذلك آفة تصدع الكيان الأخلاقي للانسان ، ومن هنا قال رسول الله عليه الصلاة والسّلام : «الأحمق من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني».
والتمني كما يقول الراغب هو تقدير شيء في النفس ، وتصويره فيها ، وذلك قد يكون عن تخمين وظن ، ويكون عن روية وبناء على أصل ، ولكن لما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك ، فأكثر التمني تصور ما لا حقيقة له ، ولذلك صاروا يعبرون عن الكذب بالتمني.
ولذلك قالوا ان الرجاء ذو شعب ثلاث هي : العلم والمال والعمل ، فالعلم يثمر المال ، والمال يقتضي العمل ، وعنوا كثيرا بالتأكيد على تلازم الرجاء والعمل ، حتى لا يكون تمنيا كاذبا ، ومما يشير الى اقتران الرجاء بالعمل قول الله جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ). وكذلك قوله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً).