أَقْرَبُ ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ). وقد أعطى أبو علي الروذباري تصويرا جميلا لهذا التلازم بين الرجاء والخوف ، فصورهما بصورة جناحي الطائر ، اذا استويا استوى الطير وتم طيرانه ، واذا نقص أحدهما وقع فيه النقص ، واذا ذهب الجناحان صار الطائر في حد الموت!
ولقد روت السنة المطهرة أن سيدنا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه دخل على رجل وهو في النزع ، فسأله : كيف تجدك؟. فقال الرجل : أجدني أخاف ذنوبي ، وأرجو رحمة ربي. فقال النبي : «ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن الا أعطاه الله ما رجا ، وأمنه مما يخاف».
ونجد أبا حامد الغزالي أيضا يستحسن أن يصور الرجاء والخوف عند المؤمنين بأنهما جناحان بهما يطير المقربون الى كل مقام محمود ، ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود ، فانه لا يقود الى حمى الرحمن وساحة الجنان ، مع أن هذا الطريق بعيد الأرجاء ، ثقيل الأعباء ، محفوف بمكاره القلوب ومشاق الارواح والاعضاء ، الا أسباب الرجاء ، ولا يصون عن نار الجحيم والعذاب الأليم ـ مع كون طريقها محفوفا بلطائف الشهوات وعجائب اللذات ـ الا سياط التخويف.
ويأتي حاتم الأصم فيجعل أصل الطاعة ثلاثة أشياء هي : الرجاء والخوف والحب ، فيضيف اليهما الحب كما ترى ، ويؤكد أبو علي الجوزجاني هذا حين يجعل الخوف والرجاء والمحبة من أسس التوحيد ، لان زيادة الرجاء تأتي من اكتساب الخير لرؤية الوعد ، وزيادة الخوف تأتي من كثرة الذنوب لرؤية الوعيد ، وزيادة المحبة تأتي من كثرة الذكر لرؤية المنّة ، فالراجي لا يستريح من الطلب ، والخائف لا يستريح من الهرب ، والمحب لا يستريح من ذكر المحبوب ، فالرجاء نور منوّر ، والخوف نار منوّرة ، والمحبة نور الأنوار.
وهكذا يربط هذا البيان الروحي بين الرجاء والخوف من جهة ،