أم كلما قويت محبته له |
|
قوي الرجاء فزاد فيه تشوقا |
لو لا الرجا يحدو المطيّ لما سرت |
|
بحمولها لديارهم ترجو اللقا |
ثم يردف ذلك بقوله : «وعلى حسب المحبة وقوتها يكون الرجاء ، فكل محب راج خائف بالضرورة ، فهو أرجى ما يكون لحبيبه أحب ما يكون اليه ، وكذلك خوفه ، فانه يخاف سقوطه من عينه ، وطرد محبوبه له وابعاده واحتجابه عنه ، فخوفه أشد خوف ، ورجاؤه ذاتي للمحبة ، فانه يرجوه قبل لقائه والوصول اليه ، فاذا لقيه ووصل اليه اشتد الرجاء له ، لما يحصل له به من حياة روحه ، ونعيم قلبه من الطاف محبوبه ، وبره واقباله عليه ، ونظره اليه بعين الرضى ، وتأهيله في محبته ، وغير ذلك مما لا حياة للمحب ولا نعيم ولا فوز الا بوصوله اليه من محبوبه ، فرجاؤه أعظم رجاء وأجله وأتمه.
فتأمل هذا الموضع حق التأمل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبودية والمحبة ، فكل محبة فهي مصحوبة بالخوف والرجاء ، وعلى قدر تمكنها من قلب المحب يشتد خوفه ورجاؤه ، لكن خوف المحب لا يصحبه وحشة ، بخلاف خوف المسيء ، ورجاء المحب لا تصحبه علة ، بخلاف رجاء الأخير».
وينبغي أن نفهم أن الرجاء يستعمل بمعنى الخوف في لغة القرآن ، وذلك لان الراجي يخاف ألا يحقق أمله ، ومن قبيل استعماله مادة الرجاء بمعنى الخوف قول الله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً). أي ما لكم لا تخافون لله عظيمة؟.
والرجاء والخوف في مفهوم مهذبي الأخلاق ومؤدبي الأرواح يتلازمان ، لان التطلع الى المرغوب يصحبه توقع لحدوث المكروه ، فيظل الانسان راجيا وهو خائف ، ويظل خائفا وهو راج ، وبذلك يكون على الصراط. بمفهوم قول الله تعالى عن عباده الطيبين : (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ