الفريقين ، فتقول : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ ، وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ، هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
وبسبب هذا الاستعراض وتلك المقارنة نجد المفسر ابن كثير يعلق على تلك الآيات التي سقناها سابقا ، فيقول : «لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء ، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فآمنت قلوبهم ، وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا ، من الاتيان بالطاعات ، وترك المنكرات ، وبهذا ورثوا الجنات ، المشتملة على الغرف العاليات ، والسرر المصفوفات ، والقطوف الدانيات ، والفرش المرتفعات ، والحسان الخيرات ، والفواكه المتنوعات ، والمآكل المشتهيات ، والمشارب المستلذات ، والنظر الى خالق الأرض والسموات ، وهم في ذلك خالدون ، لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون ، ولا ينامون ولا يتغطون ، ولا يبصقون ولا يتمخطون ، ان هو الا رشح مسك يعرقون.
ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين ، فقال : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) أي الذين وصفهم أولا بالشقاء ، والمؤمنين بالسعادة ، فأولئك كالأعمى والأصم ، وهؤلاء كالبصير والسميع ، فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا والآخرة ، لا يهتدي الى خير ولا يعرفه ، أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) الآية.
وأما المؤمن ففطن ذكي لبيب بصير بالحق ، يميز بينه وبين الباطل ، فيتبع الخير ويترك الشر ، سميع للحجة ، يفرق بينها وبين الشبهة ، فلا يروج عليه باطل ، فهل يستوي هذا وهذا؟ أفلا تذكرون؟ .. أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء»؟.
ونلاحظ في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ان الآية ذكرت الايمان أولا ، ثم ذكرت العمل الصالح ثانيا ، ثم ذكرت الاخبات