بعد ذلك ، وهذا الترتيب يشير الى أن الاخبات كأنه ثمرة للايمان والعمل ، والمعنى العام للآية هو أن الذين آمنوا واعتقدوا بربوبية الله اعتقادا جازما ، وصدقوا قوله وحكمه ، ثم قرنوا الايمان بالعمل الصالح ، واطمأنت نفوسهم بالايمان ، ولانت قلوبهم ، وخشعوا واطمأنوا ، فلم يبق عندهم زلزال ولا اضطراب ، أولئك المتصفون بما سبق هم أصحاب الجنة المستحقون لها بالذات ، الخالدون فيها أبدا.
*
وجاء ذكر المخبتين مرة ثانية في قوله تعالى في سورة الحج : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ، فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ، فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) أي الخاشعين المتواضعين ، أو المطمئنين ، أو الوجلين ، أو الراضين بقضاء الله المستسلمين له ، أو الذين لا يظلمون غيرهم ، أو الذين ان ظلمهم غيرهم لم ينتصفوا ... هكذا تحدثت التفاسير المختلفة عن كلمة «المخبتين». ولعل أحسن تفسير لهم هو ما جاء في الآية التالية ، وهي قوله تعالى عقب ذلك : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ ، وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ ، وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
والمعنى العام للآية الأولى هو : لقد شرعنا لكل أمة من الأمم السالفة ، من عهد ابراهيم عليهالسلام الى من جاء بعده ، ضربا من ضروب القربان ، يذبحونه تقربا الى الله ، من الابل أو البقر أو الغنم ، ليذكروا اسم الله ، والمشرع واحد هو الله ، وانما تختلف التكاليف باختلاف الازمنة والاشخاص ، لاختلاف المصالح. فلا تذكروا على ذبائحكم غير اسم الله ، فالهكم اله واحد لا شريك له ، فاياه فاعبدوا ، وله أخلصوا الطاعة واستسلموا لحكمه ، وانقادوا له في جميع التكاليف ، فمن انقاد كان مخبتا ، وبشر يا رسول الله أولئك الخاضعين لله بالطاعة ،