المذعنين له بالعبودية ، المنيبين اليه بالتوبة ، المطمئنين الى الله المتواضعين له.
والآية الثانية نفهم منها أن هؤلاء المتحلين بفضيلة الاخبات ، يتصفون بأربع صفات ، أولاها هي أن قلوبهم تخاف الله وتخشاه ، وثانيتها أنهم يصبرون على ما يسوقه الله اليهم من ابتلاء أو اختبار ، وثالثتها أنهم يحافظون على الصلوات ويؤدونها سليمة قويمة ، ورابعتها أنهم ينفقون مما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأقاربهم وفقرائهم ومحاويجهم ، ويحسنون الى الخلق ، مع محافظتهم على حدود الله.
ومما رواه التاريخ بمناسبة قول الله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان اذا رأى الربيع بن خيثم قال عنه : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ). فلم كان يقول عنه ذلك كلما رآه؟!
روى الامام حجة الاسلام أبو حامد الغزالي في ذلك أن الربيع كان كثير الخشوع لله ، وكان يغض بصره ويطرق ، فيحسب الناس أنه كفيف البصر ، وكان يزور ابن مسعود ، فاذا طرق عليه الباب ، وفتحت الجارية له ، رأته مطرقا غاضا بصره ، فتعود الى ابن مسعود وتقول له : «صديقك الأعمى قد جاء»! ..
ويخرج ابن مسعود الى استقباله قائلا له : «وبشر المخبتين ، أما والله لو رآك محمد صلىاللهعليهوسلم لفرح بك ، أو لأحبك».
والربيع هذا الذي كان مثلا من أمثلة المخبتين ، ونموذجا من نماذج الخاشعين كان يعد أحد الثمانية الذين انتهى اليهم الزهد في التابعين ، فقد جاء في «العقد الفريد» أن العتبي قال : «سمعت أشياخنا يقولون : انتهى الزهد الى ثمانية من التابعين : عامر بن عبد القيس ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، وهرم بن حبان ، وأبي مسلم الخراساني ، وأويس القرني ، والربيع بن خيثم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود بن يزيد»