القيم : «فالنفس جبل عظيم شاق في طريق السير الى الله عزوجل ، وكل سائر لا طريق له الا على ذلك الجبل ، فلا بد أن ينتهي اليه ، ولكن منهم من هو شاق عليه ، ومنهم من هو سهل عليه وانه ليسير على من يسره الله عليه.
وفي ذلك الجبل أودية وشعوب ، وعقبات وو هود ، وشوك وعوسج ، وعليق وشبرق ، ولصوص يقطعون الطريق على السائرين ، ولا سيما أهل الليل المدلجين ، فاذا لم يكن معهم عدد الايمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الاخبات ، والا تعلقت بهم تلك الموانع ، وتشبثت بهم تلك القواطع ، وحالت بينهم وبين السير ، فان أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته.
والشيطان على قلّة ذلك الجبل يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ، ويخوفهم منه ، فيتفق مشقة الصعود ، وقعود ذلك المخوف على قلته ، وضعف عزيمة السائر ونيته ، فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع والمعصوم من عصمه الله.
وكلما رقي السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه ، فاذا قطعه وبلغ قلّته ، انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا ، وحينئذ يسهل السير ، وتزول عنه عوارض الطريق ومشقة عقباتها ، ويرى طريقا واسعا آمنا ، يفضي به الى المنازل والمناهل ، وعليه الأعلام وفيه الاقامات قد أعدت لركب الرحمن.
فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة عزيمة ، وصبر ساعة ، وشجاعة نفس ، وثبات قلب ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم».
فليرفع المؤمن رأسه الى السماء قبلة الدعاء ، وليرج ربه أن يحليه بفضيلة الاخبات والخشوع والطاعة. وليدع كما دعا رسول الله عليه الصلاة والسّلام : اللهم اجعلني لك مخبتا! .. والبشرى للمخبتين! ..