ومثل هذا في سورة مريم ، وهو : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).
والقوة التي تتصل بالمعنويات أنواع وألوان ، فهناك قوة الايمان ، وقوة الأخلاق ، وقوة العلم ، كما أن هناك قوة العمل وقوة الجهاد ، وقوة الرأي ، وقوة الكلمة ، فاذا توافرت هذه الانواع لانسان فقد بلغ قمة ملحوظة في تقدير رجال الأخلاق والفضائل ، واذا توافر له جانب من هذه الأنواع كان له من المنزلة بقدر هذا الجانب.
ومما يدل على شرف «القوة» بأجلى برهان هو ان القرآن الكريم وصف ذا الجلال والكمال والجمال سبحانه بالقوة ، فقال في سورة هود : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) وقال في سورة الانفال : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ). ووصف القرآن رب العزة بأن القوة كلها له فذكر في سورة البقرة : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) ، وكرر وصف الله بوصفي القوة والعزة معا سبع مرات.
واذا تطلعنا الى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لوجدناه مثلا باهرا في القوة ، ففوق ما آتاه الله من سلامة الحس والنفس ، ونقاء الجسم وفتوة البدن ، آتاه القوة الروحية الاخلاقية القائمة على الثبات وقوة الارادة وصلابة العزيمة ، ولا عجب فهو القائل وقد تألبت عليه جموع المشركين : «والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه». وهو الذي كان يتحصن به الاشداء الاقوياء من صحابته في ساحات الجهاد وساعات الهول ، حتى يقول عنه الامام علي : «كنا اذا اشتد البأس واحمرت الحدق ، اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فما يكون احد منا أقرب الى العدو منه».
ويقول البراء : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم اذا تشمر