بلقيس ، فيجعل من أسباب ثقته بفعل ذلك قوته ، فيقول : (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ ، وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ).
وهذه بنت شعيب عليهالسلام تجعل قوة موسى عليهالسلام مسوغا ومحرضا على الاستعانة بقوته ، فيقول القرآن الكريم عن ذلك : (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
والله يتحدث عن القوة في ملكه وخلقه على أنها مظهر من مظاهر الفضل والنعمة ، فيقول : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ). ويقول : (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً). ويقول : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ). ويقول : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ، وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً). ويقول : وما أروع الاشارة الى الانتفاع بالقوة فيما يقول : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ).
ويأمر الله سبحانه بالقوة حتى في العبادة وتنفيذ الأوامر ، واختيار ما يحتاج الى الجهد ، فيقول : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، ويقول : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (١).
*
ولقد أتت في التنزيل المجيد آية تشمل الدعوة الى كل أنواع القوة المادية والمعنوية ، وهي قول الله تبارك وتعالى في سورة الأنفال : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ ، اللهُ يَعْلَمُهُمْ ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ).
__________________
(١) انظر كتابي «الدين والحياة» ص ٥٨ ـ ٦١ طبع دار الكاتب العربي بالقاهرة سنة ١٩٦٨