وقد ذكر السيد رشيد رضا عن هذه الآية أن الله تبارك وتعالى أمر عباده المؤمنين بأن يجعلوا الاستعداد للحرب التي تدفع العدوان وتحفظ النفوس وتصون الحقوق بأمرين : أولهما اعداد جميع أسباب القوة بقدر الاستطاعة ، والقوة هنا قد تكون قوة السلاح أو قوة العلم ، أو قوة الاخلاق أو قوة اليقين ، أو قوة الامداد ، لأن كلمة القوة تشمل كل هذه الانواع وغيرها.
وثانيهما المرابطة على الحدود والثغور بالجنود المدربين ووسائل الانتقال السريع ، وكان أسرع الوسائل عند نزول الآية هي الخيل ، وهذان الامران هما اللذان تعول عليهما جميع الدول التي ارتقت فيها الفنون العسكرية. ومن المعلوم بالبداهة أن اعداد المستطاع من القوة ، يختلف امتثال الامر الرباني فيه باختلاف درجات الاستطاعة في كل زمان ومكان بحسبه ، وقد روي ان الرسول صلىاللهعليهوسلم تلا الآية السابقة ، ثم قال : «ألا ان القوة الرمي» وكرر ذلك ثلاثا ، وهذا اشارة الى ان أعظم أركان القوة هو الرمي ، وذلك لأن رمي العدو عن بعد بما يقتله أسلم من مصاولته على القرب بسيف أو رمح أو حربة ، واطلاق الرمي في الحديث السابق يشمل كل ما يرمى به العدو من سهم أو قذيفة أو بندقية أو طيارة أو مدفع أو غير ذلك. واذا كان بعض هذه الوسائل لم يظهر في عهد النبي فان لفظ «الرمي» يشمله ، لان الحديث لم يقيد الرمي بشيء دون شيء ، ولعل الله تعالى ـ كما ذكر رشيد ـ قد أجرى ذلك اللفظ على لسان نبيه مطلقا ليدل على العموم لامته في كل عصر بحسب ما يرمى به في كل عصر (١).
فالواجب على المسلمين في هذا العصر بنص القرآن أن يصنعوا
__________________
(١) انظر تفسير المنار ، ج ١٠ ص ٦٩ ـ ٧١ الطبعة الثانية ، طبع دار المنار سنة ١٣٦٩ ه.