وظهر الندم على وجهه ، فقال له بعض اليهود : ما لك يا أبا لبابة؟
فأجاب : لقد خنت الله ورسوله. وعاد مسرعا الى المدينة ، والدموع تسيل من عينيه ، وما زال مسرعا في مشيته حتى دخل المسجد ، وربط نفسه في أحد أعمدته بسلسلة ثقيلة ، وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت ، أو يتوب الله عليّ مما صنعت. وأخذ على نفسه العهد الوثيق ألا يدخل أرض بني قريظة ما دام حيا ، مع أنه قد كان له فيها مال وعقار.
وبلغت القصة مسمع النبي صلوات الله وسلامه عليه ، فقال : أما لو جاءني لاستغفرت له ، وأما اذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه ، وجاء الوحي من عند الله ـ عزوجل ـ مؤدبا ومعلما ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١).
وظل أبو لبابة مربوطا في عمود المسجد عشرين يوما ، لا تفك قيوده الا لأداء الصلاة ، ثم يعود الى القيد من جديد ، حتى نزلت مغفرة الله تعالى له على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وأقبل جبريل يخبر الرسول بأن الله جل جلاله قد تاب على أبي لبابة بعد هذا الندم ، وبعد هذا التطهير ، وجاء قوله عز من قائل : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ، خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ، عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).
وانتهت البشرى الى مسامع أبي لبابة ، فطار لها فرحا ، وسعد بها
__________________
(١) سورة الانفال ، الآية ٢٧.
(٢) سورة التوبة ، الآية ١٠٢.