كثيرا ، ولكنه ظل في قيده كما هو ، وأراد بعض الصحابة أن يفكه من القيد فأبى ذلك ، وقال : والله لا يفكني من قيدي الا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكأنه كان يريد بذلك أن يوثق توبته ، وأن يكون فك الرسول لقيده تأكيدا لغفران الله له وعفوه عنه.
ومحيت الهفوة من سجل أبي لبابة ، بفضل الله ورحمته ، وواصل حياته مجاهدا مستقيما على الطريق ، وفيا بعهده ، لا يخون ولا يهون» (١).
وهذه كلمة لموقظ الشرق السيد جمال الدين الافعاني يصور بها أهمية الأمانة وضرورتها للأمم ، يقول فيها :
«من المعلوم الجلي أن بقاء النوع الانساني قائم بالمعاملات والمفاوضات في منافع الأعمال ، وروح المعاملة والمعاوضة انما هي الامانة ، فان فسدت الامانة بين المتعاملين بطلت صلات المعاملة ، وانبترت حبال المعاوضة ، فاختل نظام المعيشة ، وأفضى ذلك بنوع الانسان الى الفناء العاجل.
ثم من البيّن ان الأمم في رفاهتها ، والشعوب في راحتها وانتظام أمر معيشتها ، محتاجة الى الحكومة بأي أنواعها : اما جمهورية أو ملكية مشروطة ، أو ملكية مقيدة ، والحكومة في أي صورها لا تقوم الا برجال يلون ضروبا من الأعمال ، فمنهم حراس على حدود المملكة يحمونها من عدوان الاجانب عليها ، ويدافعون الوالج في ثغورها ، وحفظة في داخل البلاد يأخذون على أيدي السفهاء ممن يهتك ستر الحياء ، ويميل الى الاعتداء من فتك أو سلب أو نحوهما ، ومنهم حملة الشرع وعرفاء القانون ، يجلسون على منصات الأحكام لفصل الخصومات ، والحكم في المنازعات.
__________________
(١) كتاب «الفداء في الاسلام» ، ص ٥٥ ـ الطبعة الاولى.