ومنهم أهل جباية الأموال ، يحصلون من الرعايا ما فرضت عليهم الحكومة من خراج ، مع مراعاة قانونها في ذلك ، ثم يستحفظون ما يحصلون في خزائن المملكة ، وهي خزائن الرعايا في الحقيقة ، وان كانت مفاتيحها بأيدي خزنتها. ومنهم من يتولى صرف هذه الأموال في المنافع العامة للرعية ، مع مراعاة الاقتصاد والحكمة ، كانشاء المدارس والمكاتب ، وتمهيد الطرق وبناء القناطر واقامة الجسور واعداد المستشفيات ، ويؤدي أرزاق سائر العاملين في شؤون الحكومة ، من الحراس والحفظة وقضاة العدل وغيرهم ، حسبما عين لهم.
وهذه الطبقات من رجال الحكومة ، الوالين على أعمالها ، انما تؤدي كل طبقة منها عملها المنوط بها بحكم الأمانة ، فان خزيت أمانة أولئك الرجال ـ وهم أركان الدولة ـ سقط بناء السلطة ، وسلب الأمن ، وراحت الراحة من بين الرعايا كافة ، وضاعت حقوق المحكومين ، وفشا فيهم القتل والتناهب ، ووعرت طرق التجارة ، وتفتحت عليهم أبواب الفقر والفاقة ، وخوت خزائن الحكومة ، وعميت على الدولة سبل النجاح ، فان ضربها أمر سدت عليها نوافذ النجاة.
ولا ريب أن قوما يساسون بحكومة خائنة اما أن ينقرضوا بالفساد ، واما أن يأخذهم جبروت أمة أجنبية عنهم ، يسومونهم خسفا ، ويستبدون فيهم عسفا ، فيذوقون من مرارة العبودية ما هو أشد من مرارة الانقراض والزوال.
ومن الظاهر ان استعلاء قوم على آخرين ، انما يكون اتحاد آحاد العاملين ، والتئام بعضهم ببعض ، حتى يكون كل منهم لبنية قومه كالعضو للبدن ، ولن يكون هذا الاتحاد حتى تكون الأمانة قد ملكت قيادهم ، وعست بالحكم أفرادهم.