ونرى الامام القرطبي يتجه اتجاها ثانيا ، فهو يرى أن «الاحسان» في تعبير القرآن يشمل تحسين الانسان ما يعمله وتكميله ، واحسان الانسان الى غيره ، وهو ايصال ما ينتفع به اليه ، فهو يذكر هذين المعنيين عند تفسيره الآية السابقة.
ثم يقول : «وهو في هذه الآية مراد بالمعنيين معا ، فانه تعالى يحب من خلقه احسان بعضهم الى بعض ، حتى ان الطائر في سجنك ، أو السّنّور (١) في دارك ، لا ينبغي ان تقتصر في تعهده باحسانك ، وهو تعالى غني عن احسانهم ، ومنه الاحسان والنعم والفضل والمنن».
وهو ـ أي الاحسان ـ في حديث جبريل بالمعنى الاول لا الثاني ، فان المعنى الاول راجع الى اتقان العبادة ، ومراعاتها بآدابها المصححة والمكملة ، ومراقبة الحق فيها ، واستحضار عظمته وجلاله حالة الشروع وحالة الاستمرار ، وهو المراد بقوله : أن تعبد الله كأنك تراه ، فان لم تكن تراه فانه يراك.
وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين : أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق فكأنه يراه ، ولعل النبي صلىاللهعليهوسلم أشار الى هذه الحالة بقوله : (وجعلت قرة عيني في الصلاة) ، وثانيهما لا ينتهي الى هذا ، لكن يغلب عليه أن الحق سبحانه مطلع عليه ومشاهد له ، واليه الاشارة بقوله تعالى : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ، وقوله : (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ).
* * *
والواقع ان صاحب الاخلاق القرآنية يستطيع أن يجد للاحسان
__________________
(١) السنور : القط.