تعبد الله كأنك تراه ـ أن تكون السريرة أفضل من العلانية ـ فعل كل مندوب اليه ـ ان تحب للناس ما تحب لنفسك ، فان كان غيرك مؤمنا أحببت أن يزداد ايمانا ، وان كان كافرا أحببت ان يصير أخاك في الاسلام ...» الخ.
وأغلب هذه المعاني كما ترى يرتبط بمفهوم اساسي للاحسان ، وهو أن يجعل الانسان للفضل في معاملاته نصيبا ، فلا يقتصر على أداء الواجب والمفروض ، بل يضيف الى ذلك شيئا من الفضل ، وهو الاحسان ، ولذلك نرى الامام الرازي في تفسيره يميل الى هذا الجانب ، فيقول «ان العدل في الطاعات هو أداء الواجبات ، أما الزيادة على الواجبات فهي ايضا طاعات ، وذلك من باب الاحسان ، وبالجملة فالمبالغة في اداء الطاعات بحسب الكمية وبحسب الكيفية هو الاحسان ، والدليل عليه أن جبريل لما سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الاحسان قال : الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فان لم تكن تراه فانه يراك.
فان قالوا : لم سمّي هذا المعنى بالاحسان؟. قلنا : كأنه بالمبالغة في الطاعة يحسن الى نفسه ، ويوصل الخير والفعل الحسن الى نفسه.
والحاصل ان العدل عبارة عن القدر الواجب من الخيرات ، والاحسان عبارة عن الزيادة في تلك الطاعات ، بحسب الكمية ، وبحسب الكيفية ، وبحسب الدواعي والصوارف ، وبحسب الاستغراق في شهود مقامات العبودية والربوبية ، فهذا هو الاحسان. واعلم أن الاحسان بالتفسير الذي ذكرناه يدخل فيه التعظيم لأمر الله تعالى ، والشفقة على خلق الله.
ومن الظاهر ان الشفقة على خلق الله أقسام كثيرة ، وأشرفها وأجلها صلة الرحم ، لا جرم أنه سبحانه أفرده بالذكر فقال : (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) ، يعني في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ، وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ...) الى آخر الآية الكريمة.