عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا ، الى ما يحبه ظاهرا وباطنا ، ويدخل في مسماها الاسلام والايمان والاحسان ـ كما يقول ابن القيم ـ وتتناول جميع المقامات ، ولذلك كانت غاية كل مؤمن ، وبداية الامر ونهايته.
ولعلنا نستطيع ـ في ضوء هذا التحديد ـ أن نفهم جانبا من قصد الرسول عليه الصلاة والسّلام في قوله : «يا أيها الناس ، توبوا الى الله ، فو الله اني لأتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين مرة». ويروى ان الرسول كان يكثر في مجلسه من قوله : «رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الغفور». وحينما نزلت عليه سورة : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) كان يقول عقب صلواته : «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي».
ومما يدلنا على أن التوبة خلق يصاحب المؤمن في مسيرته الحديث الذي يقول : «ان الله يحب العبد المفتن التواب» أي الذي كلما فتن بالذنب تاب ورجع. وحسب هذه الفضيلة شرفا ان يقول الحق عزوجل في شأنها : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (١). ويقول حجة الاسلام الغزالي : «التوبة عن الذنوب بالرجوع الى ستار العيوب وعلام الغيوب : مبدأ طريق السالكين : ورأس مال الفائزين ، وأول أقدام المريدين ، ومفتاح استقامة المائلين ، ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقربين».
ولقد تحدث الامام ابن القيم عن منازل السالكين ، وهم يرتقون بأرواحهم في مراتب الادب والتهذيب ، ثم قال : «ومنزل التوبة أول المنازل واوسطها وآخرها ، فلا يفارقه العبد السالك ، ولا يزال فيه الى الممات ، وان ارتحل الى منزل آخر ارتحل به ، واستصحبه معه ، ونزل به ، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته ، وحاجته اليها في النهاية ضرورية ، كما أن حاجته اليها في البداية كذلك».
* * *
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٢.