في حق محبوبهم جميع أعمالهم واحوالهم واقوالهم ، فلا يرونها قط الا بعين النقص والازراء عليها ، ويرون شأن محبوبهم أعظم ، وقدره أعلى ، واذا غفلوا عن مراد محبوبهم منهم ، ولم يوفوه حقه ، تابوا من ذلك توبة أصحاب الكبائر ، فالتوبة لا تفارقهم ابدا ، وكلما ازدادوا حبا لله ازدادوا معرفة بحقه ، وادراكا لتقصيرهم ، ولذلك يكون خوفهم أشد.
والتوبة تجب على الفور عقب وقوع الذنب ، ولذلك تتحتم المبادرة بها ، ولا يباح تأخيرها ، وكل تأخير للتوبة يعد استمرارا في الذنب والرضى به ، ولذلك كان من المأثور قولهم : العجلة من الشيطان الا في خمس : اطعام الطعام اذا حضر ضيف ، وتجهيز الميت اذا مات ، وتزويج البكر اذا أدركت ، وقضاء الدين اذا وجب ، والتوبة من الذنب اذا أذنب.
ولعل المبادرة بالتوبة هي بعض ما نفهم من قول الله تبارك وتعالى في سورة النساء : (انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، فاولئك يتوب الله عليهم ، وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن ، ولا الذين يموتون وهم كفار ، اولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) (١).
وانما تقبل التوبة ممن يقدر على ارتكاب الذنب ، ثم يمنع نفسه عنه ويتوب منه ، ولكن الشخص الذي لا يستطيع ان يسرق مثلا ، لسبب خارج عن ارادته ، ويقول اني تائب عن السرقة ، ولكنه عند زوال هذا السبب يقدم على السرقة ، لا تقبل توبته ، وهذه التوبة تسمى «توبة الافلاس» أو «عفة العاجز».
* * *
__________________
(١) سورة النساء ، الآيتان ١٧ و ١٨.