اذا عبر اليها ميدان المروءة الواسع ، وهذا هو ابن القيم يقرر ان المروءة هي استعمال كل خلق حسن ، واجتناب كل خلق قبيح ، وحقيقتها تجنب الرذائل والدنايا من الاقوال والاخلاق والاعمال ، فمروءة اللسان حلاوته وطيبه ولينه واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر ، ومروءة المال الاصابة يبذله في مواقعه المحمودة عقلا وعرفا وشرعا ، ومروءة الجاه أن يخدم به المحتاج اليه ، ومروءة الاحسان تعجيله وتيسيره.
واما مروءة الترك فترك الخصام والمماراة ، مع تغافل عن عثرات الناس ، والتوقير للكبير ، وحفظ حرمة النظير ، ورعاية حق الصغير.
ويرى ابن القيم أيضا ان المروءة لها ثلاث درجات ، فمروءة الانسان مع نفسه ان يحملها على ما يزين ، ويفصلها عما يشين ، في سره وجهره ، ومروءته مع الناس ان يحسن معاملتهم ، ويتجنب معهم ما لا يحب ان يعاملوه به ، ومروءته مع الله تعالى ان يستحيي من نظره اليه ومراقبته له. وفي ضوء هذا البيان يسهل علينا ان نعرف لماذا يقرر أهل التصوف أن الفتوة نتيجة وثمرة لحسن الخلق.
* * *
وهناك طائفة من الصوفية يتجه أهلها بالفتوة الى معنى محاربة النفس ومخاصمتها ، في سبيل ارضاء الله عزوجل ، ولعل هذا هو معنى قول محمد بن علي الترمذي : «الفتوة ان تكون خصما لربك على نفسك». حتى عبر بعضهم عن هذه النفس الامارة بالسوء بكلمة «الصنم» ، فقال ان الفتوة هي أن تكسر الصنم الذي بينك وبين ربك ، وهو نفسك ، ويذكر هذا البعض ان ابراهيم عليهالسلام كان خليل الرحمن حين كسر الاصنام وجعلها جذاذا كما يقص القرآن الكريم ، وكأن