هذا هو ما عناه بعضهم حين قال : ان الفتوة فضيلة تأتيها ، ولا ترى نفسك فيها.
* * *
ولقد ذكر القرآن الكريم مادة الفتوة في جملة مواطن. ولعل أقرب هذه المواطن الى خلق «الفتوة» هو ما ذكره الله تبارك وتعالى في سورة الكهف عن أهل الكهف ، حيث قال سبحانه : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ، وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً ، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) (١).
وفي هذه الكلمات الالهية ذكر القرآن المجيد لهذه المجموعة الكريمة طائفة من الصفات ، فهم جماعة من الشبان آمنوا بالله عزوجل ، وقرنوا هذا الايمان بالعمل المتواصل ، فزادهم الله هداية وتوفيقا ، وثبتت قلوبهم على الحق ، فكأنها مربوطة به ، لا تفارقه ولا تخالفه ، وهم قد قاموا بالدعوة الى الصراط المستقيم ، عن طريق جهرهم بكلمة التوحيد وعقيدة الالوهية لرب السموات والارض ، مع عدم الاشراك به.
وقد أخبر القرآن الكريم قبل هذه الكلمات الالهية بأن هذه المجموعة قد هاجرت في سبيل عقيدتها ودينها ، وضحت بالمقام في دارها وبين أهلها ، وآثروا الحق على الباطل ، ورجوا من الله الرشاد والهداية ،
__________________
(١) سورة الكهف ، الآيتان ١٣ و ١٤.