بعضا فيقولون : اذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه فارفعوا أصواتكم بكلامكم حتى تلبسوا عليهم قولهم. وقيل : ان المعنى الغوا فيه بالصفير والتخليط من القول عليهم اذا قرأوا :
والاعراض عن اللغو فضيلة من فضائل القرآن الكريم ، طالب الله بها عباده المؤمنين ، فقال في طليعة سورة المؤمنون : (قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون) (١). وقد ذكر المفسرون أن المراد باللغو هنا هو الشرك ، أو الباطل ، أو المعاصي ، أو الكذب ، أو السب ، والشتم ، والانسب أن يقال ان الجد فيما أمرهم الله به يشغلهم عن اللغو ، وهو كل لعب ولهو وباطل. يقول جار الله الزمخشري عند هذه الآية : «اللغو ما لا يعنيك من قول أو فعل ، كاللعب والهزل ، وما توجب المروءة القاءه واطراحه. يعني أن بهم من الجد ما يشغلهم عن الهزل ، ولما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالاعراض عن اللغو ، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الانفس ، اللذين هما قاعدتا بناء التكليف».
وحينما يتحدث القرآن الكريم عن عباد الرحمن في موطن آخر يجعل الاعراض عن اللغو سمة بارزة من سماتهم ، فيقول في سورة الفرقان عنهم : (والذين لا يشهدون الزور واذا مرو باللغو مرو كراما) (٢) أي لم يلتفتوا اليه ، ولم يتوقفوا عنده ، ولم يشاركوا أهله فيه ، بل صانوا أنفسهم واكرموها عن أن يلحق بها شيء من غبار هذا الدنس ، ولذلك يقول الزمخشري هنا : «المعنى : واذا مروا بأهل اللغو المشتغلين به ، مروا معرضين عنهم ، مكرمين أنفسهم عن التوقف عليهم والخوض معهم ، كقوله تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ،
__________________
(١) سورة المؤمنون ، الآيات ١ ـ ٣.
(٢) سورة الفرقان ، الآية ٧٢.