وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (١)».
واذا كان المفسرون قد ذهبوا في تفسير اللغو في الآيتين السابقتين مذاهب ، فقالوا انه المعاصي ، أو الباطل ، أو أسماء العورات ، أو الاذى ، أو السب ، فان شيخ المفسرين ابن جرير الطبري يقول : «وأولى الاقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال : ان الله أخبر عن هؤلاء المؤمنين الذين مدحهم بأنهم اذا مروا باللغو مروا كراما. واللغو في كلام العرب هو كل كلام أو فعل باطل ، لا حقيقة له ولا أصل ، أو ما يستقبح ، فسب الانسان الانسان بالباطل الذي لا حقيقة له ، من اللغو ، وذكر النكاح بصريح اسمه مما يستقبح في بعض الاماكن ، فهو من اللغو ، وكذلك تعظيم المشركين آلهتهم من الباطل الذي لا حقيقة لما عظموه على نحو ما عظموه ، وسماع الغناء مما هو مستقبح في أهل الدين ، فكل ذلك يدخل في معنى اللغو ، فلا وجه ـ اذا كان كل ذلك يلزمه اسم اللغو ـ ان يقال : عنى به بعض ذلك دون بعض ، اذ لم يكن لخصوص ذلك دلالة من خبر أو عقل».
ولو تدبرنا لفهمنا ان اللغو يشمل كل باطل من قول او عمل ، كما يشمل كل ما لا يليق أن يتعلق به أو يحرص عليه المؤمن صاحب الهمة والعزيمة والجد ، والرسول صلىاللهعليهوسلم يقول : «أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل». ويقول : «من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
ولله در عطاء بن أبي رباح حين قال : «ان من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام ، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو أمرا بمعروف ، أو تهيا عن منكر ، أو أن تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها.
__________________
(١) سورة القصص ، الآية ٥٥.