أتنكرون ان عليكم حافظين ، كراما كاتبين ، عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد؟ أما يستحي أحدكم اذا نشرت صحيفته التي أملاها صدر نهاره ، كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه»؟.
ولقد حث الرسول الكريم ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ على الاعراض عن اللغو ، حتى فيما يحسبه الانسان قليلا خفيفا ، أو يظنه موصولا بخير ، كالكلام في أثناء خطبة الجمعة مهما كان قليلا ، ولو بنصيحة ، فقد جاء في الحديث : «من قال لصاحبه والامام يخطب : صه ، فقد لغا». وفي رواية : «اذا قلت لصاحبك والامام يخطب يوم الجمعة : أنصت ، فقد لغوت». كما جاء في الحديث ايضا : «من مس الحصا فقد لغا» أي تكلم ، وقيل : أي عدل عن الصواب أو خاب ، والمقصود هنا هو مس الحصى عند خطبة الجمعة.
بل حذر الدين أيضا من اللغو حتى في الوقت ، فقد جاء في حديث سلمان رضي الله عنه : «اياكم وملغاة أول الليل». والملغاة مفعلة من اللغو والباطل ، والمراد هنا السهر أول الليل فيما لا يفيد ، لانه يمنع من قيام الليل.
* * *
ولكي يشعرنا القرآن المجيد بعلو المكانة لفضيلة الاعراض عن اللغو ، حدثنا بأن من الوان النعيم الالهي في الجنة أنه لا لغو فيها. فقال في سورة مريم : (لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ، تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) (١).
__________________
(١) سورة مريم ، الآيتان ٦٢ و ٦٣.