فعلته له ، لأن وجه الشيء في الاصل أشرف ما فيه ، ثم كثر حتى صار يدل على شرف الذكر من غير تحقيق وجه. ألا ترى أنك تقول : وجه الرأي ، ووجه الامر ، ووجه الدليل ، فلا تريد تحقيق الوجه ، وانما تريد أشرف ما فيه من جهة شدة ظهوره وحسن بيانه».
ويعلق تفسير «في ظلال القرآن» على الآية بهذه العبارة :
«ان هذا هو شأن المؤمن لا سواه ، انه لا ينفق الا ابتغاء وجه الله ، لا ينفق عن هوى ولا عن غرض ، لا ينفق وهو يتلفت الى الناس يرى ماذا يقولون ، لا ينفق ليركب الناس بانفاقه ، ويتعالى عليهم ويشمخ ، لا ينفق ليرضى عنه ذو سلطان ، أو ليكافئه بنيشان ، لا ينفق الا ابتغاء وجه الله ، خالصا متجردا لله. ومن ثم يطمئن لقبول الله لصدقته ، ويطمئن لبركة الله في ماله ، ويطمئن لثواب الله وعطائه ، ويطمئن الى الخير والاحسان من الله جزاء الخير والاحسان لعباد الله ، ويرتفع ويتطهر ويزكو بما أعطى وهو بعد في هذه الارض ، وعطاء الآخرة بعد ذلك كله فضل».
* * *
ويقول القرآن الكريم في سورة الانعام :
«وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» (١).
أي انهم في جميع الاحوال يقصدون وجه الله ورضاه ، ويفسر
__________________
(١) سورة الانعام ، الآية ٥٢.