ذلك صاحب «لطائف الاشارات» على طريقته فيقول : «تقيدت دعوتهم بالغداة والعشي ، لأنها من الاعمال الظاهرة ، والاعمال الظاهرة مؤقتة ، ودامت ارادتهم فاستغرقت جميع أوقاتهم ، لأنها من الاحوال الباطنة مسرمدة غير مؤقتة ، فقال :
«يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ».
ثم قال : «يريدون وجهه» أي «مريدين وجهه».
ويقول التنزيل في سورة الرعد :
«وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ» (١).
والقرآن هنا يتحدث عن صفات أولي الالباب الاوفياء الاتقياء ، ومن أهمها الصبر طلبا لرضى الله سبحانه ، ويعود صاحب «لطائف الاشارات» الى الحديث على طريقته الخاصة به وبصحبه فيقول : «الصبر يختلف باختلاف الاغراض التي لأجلها يصبر الصابر ، فالعبّاد يصبرون لخوف العقوبة ، والزهاد يصبرون طمعا في المثوبة ، وأصحاب الارادة هم الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم.
وشرط هذا النوع من الصبر رفض ما يمنع من الوصول ، واستدامة التوقي منه ، فيدخل فيه ترك الشهوات ، والتجرد عن جميع الشواغل والعلاقات ، فيصبر عن العلة والزلة ، وعن كل شيء يشغل عن الله».
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية ٢٢.