ثانيها : ان الوجه قد يكنى به عن النفس ، قال الله تبارك وتعالى :
«كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» (١).
وقال :
«إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى» (٢).
ثالثها : ان أعظم العبادات هي السجدة ، وهي انما تحصل بالوجه ، فلا جرم خص الوجه بالذكر ، ولهذا قال زيد بن عمرو بن نفيل :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت |
|
له الارض تحمل صخرا ثقالا |
وأسلمت وجهي لمن أسلمت |
|
له المزن تحمل عذبا زلالا |
فيكون المرء واهبا نفسه لهذا الامر ، باذلالها.
وذكر الوجه وأراد به نفس الشيء ، وذلك لا يكون الا بالانقياد والخضوع واذلال النفس في طاعته ، وتجنب معاصيه.
ومعنى : «لله» أي خالصا لله ، ولا يشوبه شرك ، فلا يكون عابدا مع الله غيره ، أو معلقا رجاءه بغيره. وفي ذلك دلالة على أن المرء لا ينتفع بعمله الا اذا فعله على وجه العبادة في الاخلاص والقربة.
وأما قوله تعالى : «وهو محسن» أي لا بد أن يكون تواضعه لله بفعل حسن لا بفعل قبيح. وبين أن من جمع بين الامرين : الاخلاص والاحسان ، فله ثواب عظيم عند ربه ، وفوق هذا لا يلحقه خوف من مستقبل ، ولا يناله حزن من الحاضر أو الماضي.
__________________
(١) سورة القصص ، الآية ٨٨.
(٢) سورة الليل ، الآية ٢٠.