أي منهم فريق معتدل لا يشتط ولا يسرف ، والكثرة مفسدة ظالمة مسرفة ، وان كثيرا منهم بعد ذلك في الارض لمسرفون.
وتفيد هذه الآية أن من أهل الكتاب أمة مقتصدة وهم المؤمنون ـ قيل كالنجاشي وسلمان وعبد الله بن سلام ـ اقتصدوا فلم يقولوا في عيسى ومحمد صلّى الله عليهما وسلم ما لا يليق بهما. وقد جاء في تفسير «المنار» عن الآية الماضية قوله :
«منهم أمة مقتصدة ، وكثير منهم ساء ما يعملون» أي منهم جماعة معتدلة في أمر الدين ، لا تغلو بالافراط ولا تهمل بالتقصير. قيل هم العدول في دينهم ، وقيل هم الذين أسلموا منهم. والمعتدلون لا تخلو منهم أمة ، ولكنهم يكثرون في طور صلاح الامة وارتقائها ، ويقلون في طور فسادها وانحطاطها. وهل تهلك الامم الا بكثرة الذين يعملون السوء من الاشرار وقلة الذين يعملون الصالحات من الاخيار ، وهؤلاء المعتدلون في الامم هم الذين يسبقون الى كل صلاح واصلاح يقوم به المجددون من الانبياء في عصورهم ، ومن الحكماء في عصورهم ، ولما جاء الاصلاح الاسلامي على لسان خاتم النبيين والمرسلين صلىاللهعليهوسلم قبله المقتصدون من أهل الكتاب ومن غيرهم ، فكانوا مع اخوانهم العرب من المجددين للتوحيد والفضائل والآداب ، والمحيين للعلوم والفنون والعمران ، فهل يعتبر المسلمون بذلك الآن ويعودون الى اقامة القرآن ، وأخذ الحكمة من حيث يجدونها ، وعدد الاصلاح والسيادة من حيث يرونها ، أم يفتأون بسلكون سنن من قبلهم في طور الفساد والافساد شبرا بشبر وذراعا بذراع ، ومنه الغرور بدينهم مع عدم اقامة كتابه والتبجح بفضائل نبيهم على تركهم لسننه وآدابه».
ومن مواطن ذكر فضيلة القصد في القرآن الكريم ما جاء في سورة النحل في قوله تبارك وتعالى :