«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ...» (١)
وعن أبي سعيد الخدري كما في تفسير الطبري ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في هذه الآية : «(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله) قال : هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة وعنى بقوله (الذين اصطفينا من عبادنا) : الذين اخترناهم لطاعتنا واجتبيناهم. وقوله (فمنهم ظالم لنفسه) يقول : فمن هؤلاء الذين اصطفينا من عبادنا ، من يظلم نفسه بركوبه المآثم واجترامه المعاصي ، واقترافه الفواحش (ومنهم مقتصد) وهو غير المبالغ في طاعة ربه ، وغير المجتهد فيما ألزمه من خدمة ربه ، حتى يكون عمله في ذلك قصدا (ومنهم سابق بالخيرات) وهو المبرز الذي قد تقدم المجتهدين في خدمة ربه وأداء ما لزمه من فرائضه ، فسبقهم بصالح الاعمال ، وهي الخيرات التي قال الله جل ثناؤه : (باذن الله) يقول : بتوفيق الله اياه لذلك».
ولقد أحس صاحب «ظلال القرآن» ان صدر هذه الآية يحوي كلمات جديرة بأن توحي لهذه الامة بكرامتها على الله ، كما توحي اليها بضخامة التبعة الناشئة عن هذا الاصطفاء وتلك الوراثة فقد أكرمها الله بالاصطفاء والجزاء ، والفريق الاول ولعله تقدم في الذكر لأنه كثير في العدد ، تزيد سيئاته في العمل على حسناته فهو ظالم لنفسه ، والثاني هو الوسط المقتصد الذي تتعادل سيئاته وحسناته ، والفريق الثالث سابق بالخيرات باذن الله ، تربي حسناته على سيئاته ، وفضل الله يشمل الجميع ، فكلهم ينتهي الى الجنة والى النعيم مع تفاوتهم في الدرجات ، وأعظم به من جزاء ومن ثواب : «جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب
__________________
(١) سورة فاطر ، الآية ٣٢.