يقول القشيري الصوفي الآية الكريمة على طريقته : «استغرق الذكر جميع أوقاتهم ، فان قاموا فبذكره ، وان قعدوا أو ناموا أو سجدوا فجملة أحوالهم مستهلكة في حقائق الذكر ، فيقومون بحق ذكره ، ويقعدون عن اخلاف أمره ، ويقومون بصفاء الاحوال ، ويقعدون عن ملاحظتها والدعوى فيها.
ويذكرون الله قياما على بساط الخدمة ، ثم يقعدون عن بساط القربة.
ومن لم يسلم في بداية أمره عن التقصير ، لم يسلم له قعود في نهايته بوصف الحضور.
والذكر طريق الحق سبحانه ، فما سلك المريدون طريقا أصح وأوضح من طريق الذكر.
ولو لم يكن فيه سوى قوله (أنا جليس من ذكرني) لكان ذلك كافيا.
ثم يضيف بعد قليل :
«والذكر عنوان الولاية ، وبيان الوصلة ، وتحقيق الارادة ، وعلامة صحة البداية ، ودلالة صفاء النهاية ، فليس وراء الذكر شيء ، وجميع الخصال المحمودة راجعة الى الذكر ، ومنشأة عن الذكر».
ومن هذا القبيل قول الله سبحانه في سورة آل عمران :
«وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ» (١).
أي اذكره بقلبك ولسانك في جميع أوقاتك.
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ٤١.