قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ٩ ]

115/355
*

ولذا رد عليه موسى ـ عليه‌السلام ـ بما يخرس لسانه ، ويبطل كيده ، فقال ـ كما حكى القرآن عنه ـ (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى).

أى : علم حال هذه القرون الأولى محفوظ عند ربي وحده في كتاب هو اللوح المحفوظ ، وهو ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء من حالهم ، وسيجازيهم بما يستحقون من ثواب أو عقاب.

وقوله : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) مؤكد لما قبله. أى : لا يخطئ ربي في علمه ، ولا ينسى شيئا مما علمه لأنه منزه عن ذلك ، فالضلال هنا بمعنى الخطأ وقلة الإدراك.

وجمع ـ سبحانه ـ بين نفى الضلال والنسيان ، لإفادة تنزهه عن أن يغيب شيء من أحوال هذا الكون عن علمه الشامل لكل شيء ، ولبيان أن علمه باق بقاء أبديا لا نسيان معه ، ولا زوال له.

ثم بين له آثار علم الله ـ تعالى ـ وقدرته فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً ..).

أى : هو ـ سبحانه ـ الذي جعل لكم الأرض ممهدة كالفراش ، ليتسنى لكم الانتفاع بخيراتها ، وقرأ الأكثرون من السبعة ، (مِهاداً) أى : فراشا. والمهاد في الأصل ما يمهد للصبي لينام عليه.

(وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) والسلك : الإدخال. أى : وجعل لكم في داخلها طرقا تنتقلون فيها من مكان إلى مكان ، ومن بلدة إلى أخرى ، لقضاء مصالحكم.

(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) والأزواج : الأصناف.

أى : وأنزل ـ سبحانه ـ بقدرته من السماء ماء نافعا كثيرا فأخرجنا بسبب هذا الماء من الأرض أصنافا شتى ـ أى متفرقة ـ من النبات ، وهذه الأصناف مختلفة المنافع والألوان والطعوم والروائح ، مما يدل على كمال قدرتنا ، ونفاذ إرادتنا.

وفي قوله (فَأَخْرَجْنا) التفات من الغيبة إلى التكلم بصيغة التعظيم ، للتنبيه على عظم شأن هذا الإخراج ، وأثره الكبير في حياة الناس.

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على أربع منن قد امتن الله بها على عباده ، وهي : تمهيد الأرض ، وجعل الطرق فيها ، وإنزال المطر من السماء ، وإخراج النبات المتنوع من الأرض.

وهذه المنن وإن كانت ظاهرة وواضحة في جميع فجاج الأرض ، إلا أنها أظهر ما تكون وأوضح ما تكون في أرض مصر التي كان يعيش فيها فرعون حيث تبدو الأرض فيها منبسطة