(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) أى ولا يفوز هذا الجنس من الناس (حَيْثُ أَتى) أى : حيث كان فحيث ظرف مكان أريد به التعميم.
أى : أن الساحر لا يفلح ولا يفوز أينما كان ، وحيثما أقبل ، وأنّى اتجه ، لأنه يصنع للناس التخييل والتمويه والتزوير والتزييف للحقائق.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت : لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية ، لا إلى معنى العدد. فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد (١).
ثم كانت بعد ذلك المفاجأة الكبرى فقد آمن السحرة حين رأوا ما رأوا بعد أن ألقى موسى ما في يمينه ، قال ـ تعالى ـ : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى).
قال الآلوسى : «والفاء في قوله (فَأُلْقِيَ ...) فصيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح».
أى : فزال الخوف ، وألقى موسى ما في يمينه ، وصارت حية ، وتلقفت حبالهم وعصيهم ، وعلم السحرة أن ذلك معجزة ، فخروا سجدا لله على وجوههم قائلين آمنا برب هارون وموسى .. (٢).
والحق أن التعبير بقوله ـ تعالى ـ : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً ..) يدل على قوة البرهان الذي عاينوه ، حتى لكأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التي عاينوها ، وأطلق ـ سبحانه ـ عليهم اسم السحرة في حال سجودهم له ـ تعالى ـ وإيمانهم به ، نظرا إلى حالهم الماضية.
وهكذا النفوس النقية عند ما يتبين لها الحق ، لا تلبث أن تفيء إليه ، وتستجيب لأهله. قال الكرخي : خروا ساجدين لله لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر ، فلما رأوا ما فعله موسى خارجا عن صناعتهم ، عرفوا أنه ليس من السحر ألبتة (٣).
وقال صاحب الكشاف : «ما أعجب أمرهم ، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود. ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود. فما أعظم الفرق بين الإلقاءين» (٤).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما توعد فرعون به السحرة ، وموقفهم من هذا الوعيد فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٧٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٣٠.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٠١.
(٤) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٧٥.