قال الآلوسى ما ملخصه : خص الأم بالإضافة استعطافا وترقيقا لقلبه ، لا لما قيل من أنه كان أخاه لأمه ، فإن الجمهور على أنهما كانا شقيقين.
وقوله : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ... روى أنه أخذ شعر رأسه بيمينه ، ولحيته بشماله ، وكان موسى ـ عليهالسلام ـ حديدا متصلبا غضوبا لله ـ تعالى ـ ، وغلب على ظنه أن هارون قد قصر معهم .. (١).
وقوله : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) استئناف لتعليل موجب النهى ، بتحقيق أنه غير عاص لأمره ، وغير معرض عن اتباعه.
أى : يا بن أمى لا تأخذ بلحيتي ولا برأسى ، فإنى ما حملني على البقاء معهم وعلى ترك مقاتلتهم بعد أن عبدوا العجل ، إلا خوفي من أن تقول لي ـ لو قاتلتهم أو فارقتهم بمن معى من المؤمنين ـ إنك بعملك هذا قد جعلت بنى إسرائيل فرقتين متنازعتين (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) أى : ولم تتبع وتطع قولي لك : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) ولذلك لم أقدم على مقاتلتهم بمن معى من المؤمنين ، ولم أقدم كذلك على مفارقتهم ، بل بقيت معهم ناصحا واعظا ، حتى تعود أنت إليهم ، فتتدارك الأمر بنفسك ، وتعالجه برأيك.
قال بعض العلماء ما ملخصه : وهذه الآية الكريمة ... تدل على لزوم إعفاء اللحية وعدم حلقها ، لأنه لو كان هارون حالقا لحيته لما أخذ بها موسى ـ إذ من المشهور أن اللحية تطلق على الشعر النابت في العضو المخصوص وهو الذقن ـ وبذلك يتبين لك أن إعفاء اللحية سمت الرسل الكرام الذين أمرنا الله ـ تعالى ـ بالاقتداء بهم.
فقد قال ـ تعالى ـ : بعد أن ذكر عددا من الأنبياء منهم هارون : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ...) (٢).
والعجب من الذين مسخت ضمائرهم ... حتى صاروا ينفرون من صفات الذكورية ، وشرف الرجولة إلى خنوثة الأنوثة .. (٣).
هذا ، وبعد أن انتهى موسى من سماع اعتذار أخيه هارون ، اتجه بغضبه إلى السامري ـ رأس الفتنة ومدبرها ـ فأخذ في زجره وتوبيخه ، وقد حكى ـ سبحانه ـ ذلك في قوله ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٥١.
(٢) سورة الأنعام الآية ٩٠.
(٣) راجع تفسير أضواء البيان ج ٤ ص ٥٠٧.