وعليه يكون المعنى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل بعدم الأكل من الشجرة فترك الوفاء بعهدنا وخالف ما أمرناه به.
وعلى هذا التفسير فلا إشكال في وصف الله ـ تعالى ـ له بقوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) لأن آدم بمخالفته لما نهاه الله ـ تعالى ـ عنه وهو الأكل من الشجرة ـ صار عاصيا لأمر ربه.
ومن العلماء من يرى أن النسيان هنا على حقيقته ، أى : أنه ضد التذكر فيكون المعنى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ما عاهدناه عليه ، وغاب عن ذهنه ما نهيناه عنه ، وهو الأكل من الشجرة.
فإن قيل : إن الناسي معذور. فكيف قال الله ـ تعالى ـ في حقه : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)؟.
فالجواب : أن آدم ـ عليهالسلام ـ لم يكن معذورا بالنسيان ، لأن العذر بسبب الخطأ والنسيان والإكراه. من خصائص هذه الأمة الإسلامية ، بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تجاوز لي عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
قال القرطبي ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ..) للنسيان معنيان : أحدهما : الترك ، أى ترك الأمر والعهد ، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين ، ومنه (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) وثانيهما : قال ابن عباس : «نسى» هنا من السهو والنسيان ، وإنما أخذ الإنسان من أنه عهد إليه فنسي ... وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم في ذلك الوقت مؤاخذا بالنسيان ، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعا.
والمراد تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم أى : أن طاعة بنى آدم للشيطان أمر قديم أى : إن نقض هؤلاء ـ المشركون ـ العهد ، فإن آدم ـ أيضا ـ عهدنا إليه فنسي ..» (١).
وقوله : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) مقرر لما قبله من غفلة آدم عن الوفاء بالعهد.
قال الجمل : وقوله : (نَجِدْ) يحتمل أنه من الوجدان بمعنى العلم ، فينصب مفعولين ، وهما «له» و «عزما» ويحتمل أنه من الوجود الذي هو ضد العدم فينصب مفعولا وهو (عَزْماً) والجار والمجرور متعلق بنجد (٢).
والعزم : توطين النفس على الفعل ، والتصميم عليه ، والمضي في التنفيذ للشيء ..
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٥١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١١٣.