أى : إلى ما متعنا به أصنافا من هؤلاء المشركين ، بأن منحناهم الجاه والمال والولد.
وما جعلناه لهم في هذه الدنيا بمثابة الزهرة التي سرعان ما تلمع ثم تذبل وتزول.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله (أَزْواجاً مِنْهُمْ) أى : أصنافا من الكفرة ، وهو مفعول (مَتَّعْنا) قدم عليه الجار والمجرور للاعتناء به .. وقيل الخطاب له صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته ، لأنه كان أبعد الناس عن إطالة النظر إليها ، وهو القائل : «الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها ، إلا ما أريد به وجه الله ـ تعالى ـ» وكان صلىاللهعليهوسلم شديد النهى عن الاغترار بها.
ويؤخذ من الآية أن النظر غير الممدود معفو منه ، وكأن المنهي عنه في الحقيقة هو الإعجاب بذلك ، والرغبة فيه ، والميل إليه.
وقوله : (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أى : زينتها وبهجتها. وهو منصوب بمحذوف يدل عليه (مَتَّعْنا).
أى : جعلنا لهم زهرة ، أو على أنه مفعول ثان ، بتضمين متعنا معنى أعطينا ، فأزواجا مفعول أول ، وزهرة هو المفعول الثاني .. (١).
وقوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) بيان للحكمة من هذا التمتيع والعطاء أى متعنا هؤلاء الكافرين بالأموال والأولاد .. لنعاملهم معاملة من يبتليهم ويختبرهم بهذا المتاع ، فإذا آمنوا وشكروا زدناهم من خيرنا ، وإذا استمروا في طغيانهم وجحودهم وكفرهم ، أخذناهم أخذ عزيز مقتدر.
فالجملة الكريمة تنفر العقلاء من التطلع إلى ما بين أيدى الكفار من متاع ، لأن هذا المتاع سيئ العاقبة ، إذا لم يستعمل في طاعة الله ـ تعالى ـ.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) تذييل قصد به الترغيب فيما عند الله ـ تعالى ـ من طيبات.
أى : وما رزقك الله إياه ـ أيها الرسول الكريم ـ في هذه الدنيا من طيبات. وما ادخره لك في الآخرة من حسنات ، خير وأبقى مما متع به هؤلاء الكافرين من متاع زائل سيحاسبهم الله ـ تعالى ـ عليه يوم القيامة حسابا عسيرا ، لأنهم لم يقابلوا نعم الله عليهم بالشكر ، بل قابلوها بالجحود والكفران.
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها قد رسمت للمؤمن أفضل الطرق وأحكمها ، لكي يحيا حياة فاضلة طيبة ، حياة يعتز فيها صاحبها بالمعاني الشريفة الباقية ، ويعرض عن المظاهر والزخارف الزائلة.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٨٣.