قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ (يا زَكَرِيَّا) في الكلام حذف ، أى : فاستجاب الله دعاءه فقال : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى ...) فتضمنت هذه البشارة ثلاثة أشياء : أحدها : إجابة دعائه وهي كرامة. الثاني : إعطاؤه الولد وهو قوة. الثالث : أن يفرد بتسميته ...» (١).
وقد بين ـ سبحانه ـ في آيات أخرى أن الذي بشر زكريا هو بعض الملائكة ، وأن ذلك كان وهو قائم يصلى في المحراب ، قال ـ تعالى ـ : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ ، أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ، مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ، وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (اسْمُهُ يَحْيى) يدل على أن هذه التسمية قد سماها الله ـ تعالى ـ ليحيى ، ولم يكل تسميته لزكريا أو لغيره ، وهذا لون من التشريف والتكريم.
وقوله ـ تعالى ـ : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) أى لم نجعل أحدا من قبل مشاركا له في هذا الاسم ، بل هو أول من تسمى بهذا الاسم الجميل.
قال بعض العلماء : «وقول من قال : إن معناه : لم نجعل له من قبل سميا ، أى : نظيرا يساويه في السمو والرفعة غير صواب ، لأنه ليس بأفضل من إبراهيم ونوح وموسى فالقول الأول هو الصواب ، وممن قال به : ابن عباس ، وقتادة ، والسدى ، وابن أسلم وغيرهم ...» (٣).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما قاله زكريا بعد هذه البشارة السارة. فقال ـ تعالى ـ : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ، وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً. وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا).
فالجملة الكريمة استئناف مبنى على سؤال تقديره : فماذا قال زكريا عند ما بشره الله ـ تعالى ـ بيحيى؟
ولفظ (أَنَّى) بمعنى : كيف. أو بمعنى : من أين.
أى : قال زكريا مخاطبا ربه بعد أن بشره بابنه يحيى : يا رب كيف يكون لي غلام ، وحال امرأتى أنها كانت عاقرا في شبابها وفي شيخوختها ، وحالي أنا أننى قد بلغت من الكبر عتيا ، أى. قد تقدمت في السن تقدما كبيرا.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٨٢.
(٢) سورة آل عمران الآية ٣٩.
(٣) تفسير أضواء البيان ج ٤ ص ٢١٤.