الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (١).
وعبر سبحانه ـ بالقرب مع أنه قد مضى على نزول هذه الآية وأمثالها أكثر من أربعة عشر قرنا ، لأن كل آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه ، قريب الوقوع ، ولأن ذلك الوقت وإن كان كبيرا في عرف الناس ، إلا أنه عند الله ـ تعالى ـ قليل ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ ، وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٢).
وقال ـ تعالى ـ : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَنَراهُ قَرِيباً) (٣).
وقال ـ تعالى ـ : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ ..) بلفظ العموم ، مع أن ما بعده من ألفاظ الغفلة والإعراض يشعر بأن المراد بهم الكافرون ، للتنبيه على أن الحساب سيشمل الجميع ، إلا أنه بالنسبة للكافرين سيكون حسابا عسيرا.
قال صاحب الكشاف : وصفهم بالغفلة مع الإعراض ، على معنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم ، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسيء. وإذا قرعت لهم العصا ، ونبهوا عن سنة الغفلة ، وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر ، أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا (٤).
وفي التعبير عن اقتراب يوم القيامة باقتراب الحساب ، زيادة في الترهيب والتخويف ، وفي الحض على الاستعداد لهذا اليوم ، لأنه يوم يحاسب فيه الناس على أعمالهم في الدنيا حسابا دقيقا ، ولن تملك فيه نفس لنفس شيئا ، وإنما يجازى فيه كل إنسان بحسب عمله.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) بيان لمواقف هؤلاء الغافلين اللاهين ممن يذكرهم بأهوال ذلك اليوم.
والمراد بالذكر : ما ينزل من آيات القرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بالمحدث : الحديث العهد بالنزول على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو صفة لذكر.
أى : أن هؤلاء الغافلين المعرضين عن الاستعداد ليوم الحساب ، لا يصل إلى أسماعهم شيء من القرآن الكريم ، الذي أنزله الله ـ تعالى ـ على قلب نبيه صلىاللهعليهوسلم آية فآية ، أو سورة بعد سورة في أوقات متقاربة ، إلا استمعوا إلى هذا القرآن المحدث تنزيله على الرسول
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٢٤.
(٢) سورة الحج الآية ٤٧.
(٣) سورة المعارج الآية ٦ ، ٧.
(٤) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٠١.