أرسلنا به رسلنا ، على الباطل الذي تشبث به الفاسقون (فَيَدْمَغُهُ) أى : فيقهره ويهلكه ويزيله إزالة تامة.
والتعبير القرآنى البليغ ، يرسم هذه السنة الإلهية في صورة حسية متحركة حتى لكأنما الحق قذيفة تنطلق بسرعة فتهوي على الباطل فتشق أم رأسه ، فإذا هو زاهق زائل.
قال الآلوسى : وفي إذا الفجائية ، والجملة الاسمية ، من الدلالة على كمال المسارعة في الذهاب والبطلان مالا يخفى ، فكأنه زاهق من الأصل (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) وعيد شديد لأولئك الكافرين الذين نسبوا إلى الله ـ تعالى ـ مالا يليق به ، ووصفوه بأن له صاحبة وولدا (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً).
أى : ولكم ـ أيها الضالون المكذبون ـ الويل والهلاك ، من أجل وصفكم له ـ تعالى ـ بما لا يليق بشأنه الجليل.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) استئناف مؤكد لما قبله من أن جميع المخلوقات خاضعة لقدرته ـ تعالى ـ.
أى : وله وحده ـ سبحانه ـ جميع من في السموات والأرض ، خلقا ، وملكا ، وتدبيرا ، وتصرفا وإحياء ، وإماتة ، لا يخرج منهم أحد عن علمه وقدرته ـ عزوجل ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ نماذج من عباده الطائعين له ، بعد أن حكى أقوال أولئك الضالين ، فقال : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ).
والاستحسار : الكلل والتعب. يقال : حسر البصر يحسر حسورا ـ من باب قعد ـ إذا تعب من طول النظر ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) أى : كليل متعب.
أى : ومن عنده من مخلوقاته وعلى رأسهم الملائكة المقربون ، لا يستكبرون عن عبادته ـ سبحانه ـ بل يخضعون له خضوعا تاما (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) أى : ولا يكلون ولا يتعبون.
بل هم (يُسَبِّحُونَ) الله ـ تعالى ـ ويحمدونه ويكبرونه. طوال الليل والنهار بدون فتور
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٢٠.