بدون إذنه ، كما هو شأن العبيد الطائعين لسيدهم.
وأصل الكلام : لا يسبق قولهم قوله ـ عزوجل ـ إلا أنه ـ سبحانه ـ أسند السبق إليهم ، تنزيلا لسبق قولهم لقوله ، منزلة سبقهم إياه ، للإشعار بمزيد طاعتهم وتنزيههم عن كل قول بغير إذنه ـ تعالى ـ.
وقوله : (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) بيان لتبعيتهم له ـ تعالى ـ في الأعمال إثر بيان تبعيتهم له ـ سبحانه ـ في الأقوال.
أى : وهم بأمره وحده يعملون لا بأمر أحد سواه ، ولا بأمر أنفسهم ، كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ. عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ مظهرا من مظاهر علمه الشامل ، وحكمه النافذ ، فقال (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ..) أى : يعلم ـ سبحانه ـ أحوالهم كلها صغيرها وكبيرها ، متقدمها ومتأخرها ، (وَلا يَشْفَعُونَ) لأحد من خلقه إلا لمن ارتضى الله ـ تعالى ـ شفاعتهم له.
(وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) أى : وهم لخوفهم من الله ومن عقابه حذرون وجلون.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف الملائكة في هذه الآيات بجملة من الصفات الكريمة التي تدل على طاعتهم المطلقة لله ـ تعالى ـ وعلى إكرامه ـ سبحانه ـ لهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أنهم مع كرامتهم عند الله ـ تعالى ـ لو ادعى أحد منهم ـ على سبيل الفرض ـ أنه إله ، لعاقبه الله عقابا شديدا ، فقال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ ، فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ، كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).
أى : ومن يقل من الملائكة ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) أى : من دون الله ـ عزوجل ـ «فذلك» الذي ادعى هذا الادعاء الكاذب «نجزيه جهنم» أى : نجعل جزاءه الإلقاء في جهنم كسائر المجرمين الكاذبين ، ولا يغنى عنه ما سبق له من طاعة وتكريم (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أى : مثل هذا الجزاء الرادع الفظيع نجزى كل ظالم يضع الأمور في غير موضعها ، إذ أن حقوق الله ـ تعالى ـ لا يجوز لأحد ـ كائنا من كان ـ أن ينسبها لنفسه ، سواء أكان ملكا مقربا ، أم نبيا مرسلا.
وبعد أن ساق ـ سبحانه ـ ألوانا من الأدلة الكونية الشاهدة بوحدانيته ، ومن الأدلة
__________________
(١) سورة التحريم آية ٦.