به ، أهو جد وحق أم لعب وهزل (١).
وقد رد عليهم إبراهيم ـ عليه السلام ـ ردا حاسما يدل على قوة يقينه فقال : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ..).
أي : قال لهم إبراهيم بلغة الواثق بأنه على الحق : أنا لست هازلا فيما أقوله لكم ، وإنما أنا جاد كل الجد في إخباركم أن اللَّه ـ تعالى ـ وحده هو ربكم ورب آبائكم ، ورب السماوات والأرض ، فهو الذي خلقهن وأنشأهن بما فيهن من مخلوقات بقدرته التي لا يعجزها شيء.
وقوله : (وأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) تذييل المقصود به تأكيد ما أخبرهم به ، وما دعاهم إليه. أي : وأنا على أن اللَّه ـ تعالى ـ هو ربكم ورب كل شيء من الشاهدين ، الذين يثقون في صدق ما يقولون ثقة الشاهد على شيء لا يشك في صحته.
ثم أضاف إلى هذا التأكيد القولي ، تأكيدا آخر فعليا ، فقال لهم : (وتَاللَّه لأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ).
أي : وحق الله الذي فطركم وفطر كل شيء ، لأجتهدن في تحطيم أصنامكم ، بعد أن تنصرفوا بعيدا عنها. وتولوها أدباركم.
وأصل الكيد : الاحتيال في إيجاد ما يضر مع إظهار خلافه. وقد عبر به إبراهيم عن تكسير الأصنام وتحطيمها ، لأن ذلك يحتاج إلى احتيال وحسن تدبير.
وقد نفذ إبراهيم ما توعد به الأصنام ، فقد انتهز فرصة ذهاب قومه بعيدا عنها فحطمها ، قال تعالى ـ (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْه يَرْجِعُونَ).
والفاء في قوله : «فجعلهم» فصيحة. والجذاذ القطع الصغيرة جمع جذاذة من الجذ بمعنى القطع والكسر.
أي : فولوا مدبرين عن الأصنام فجعلها بفأسه قطعا صغيرة ، بأن حطمها عن آخرها ـ سوى الصنم الأكبر لم يحطمه بل تركه من غير تكسير. لعلهم إليه يرجعون فيسألونه كيف وقعت هذه الواقعة وهو حاضر ، ولم يستطع الدفاع عن إخوته الصغار؟!!.
ولعل إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد فعل ذلك ليقيم لهم أوضح الأدلة على أن هذه الأصنام لا تصلح أن تكون آلهة ، لأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها ، وليحملهم على التفكير في أن الذي يجب أن يكون معبودا ، إنما هو اللَّه الخالق لكل شيء ، والقادر على كل شيء.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٢٢.